الشباب سياط التغيير، وسَلُوا ثورة يناير والاقتراع الأخير
بقلم النائب د. يونس الأسطل
] فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ [
يونس (83)
بدا من الانتخابات الرئاسية المصرية التي جرت مؤخراً؛ لتنصيب السيسي فوق رقاب الشعب المصري، أن القلة التي أَمَّتْ مراكز الاقتراع قد خلتْ من الشباب، فالغالبية الساحقة نساءٌ وشيوخ، وقد أغاظ ذلك اللون من الاحتجاج السلمي أزلام الأبواق الإعلامية، فراحوا يرمون المُحِجِمين عن المشاركة بأقذع الأوصاف، وأقبح الشتائم، وقد أقدموا في اليوم التالي على تعطيل الدراسة، وجعلوه إجازة؛ لعل عدد المقترعين يرتفع قليلاً، دون جدوى، فقد ظلَّ العزوف عنها من الشباب قائماً، وربما تجلى في اليوم الثاني بشكلٍ أكبر منه في اليوم الأول، ولعل الله جل جلاله أراد أن يزيد المشهد افتضاحاً حين أعلنوا عن تمديد الاقتراع ليومٍ ثالث؛ لحاجة في نفس يعقوب قضاها، ولكنه زادهم رجساً إلى رجسهم، وما كانوا ليحملوا الشباب على التوجه تلقاء أبواب المراكز، ولو فرضوا غرامةً ماليةً على المستنكفين، بل لو وصل الوعيد إلى حَدِّ تقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وتصليبهم في جذوع النخل، وتعذبهم بالسياط، والجوع، والنزف، ثم الموت؛ فإن الجواب هو عين جواب الأولين من المؤمنين:
" قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا " طه (72)
إن الشباب هم عماد التغيير، وعنوان التحدي، والعمود الفقري في الثورات، وحَمْلِ الرسالات، ومن هنا فإن أكثر المؤسسات غلياناً هي الجامعات، وبالأخص جامعة الأزهر طلاباً وفتيات، ولا عجبَ أن يكونوا هم المستهدفين بالقمع ابتداءً؛ فإن فرعون وهامان وقارون بعد أن تواطؤوا على اتهام سيدنا موسى بأنه ساحر كذاب قالوا: اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه، واستحيوا نساءهم، ومن هنا فإن آية المقال تحصر الذين آمنوا بسيدنا موسى ابتداءً، وعزَّروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أُنْزِلَ معه، هم بعض الشباب، كما يفيده أسلوب الحصر في الآية؛ ذلك أن الذرية تنصرف إلى الفتيان والغلمان، ولا يُعَبَّر بها عن الرجال والشيوخ.
وقد أثنى الله تبارك وتعالى عليهم بأنهم آمنوا بالله، واتبعوا المرسلين، رغم الإرهاب، وسياط العذاب، التي كانوا يكابدونها من فرعون أولاً، ومن الملأ من قومهم بني إسرائيل ثانياً، فالضمير في قوله (وملئهم) لا يعود على فرعون، وإلَّا لقال (وملئه)، كما في العديد من الآيات الأخرى، فدلَّ هذا على أن المتنفذين في بني إسرائيل لم يكونوا أقلَّ وطأةً على الشباب المؤمنين من الفراعنة أنفسِهم، ومن أبرز رموزهم في قرار قتل أبناء الذين آمنوا معه، كما شهدت بذلك سورة غافر (25)، وسورة القصص (76).
وقد ختم آية المقال بالتأكيد على وصفين لفرعون: العُلُوِّ في الأرض، والإسرافِ في الإجرام، فأما الأرض فهي رمز الانحطاط، فالعالي فيها لا يخرج عن كونه منحطاً معها، وأما الإسراف فينصرف إلى الإيغال في القتل والاضطهاد، ولعل السرَّ في تأكيد هذين النعتين لفرعون هو الثناء على الفتية الذين آمنوا بربهم، وزادهم هدىً؛ إذْ آمنوا رغم قسوة الظروف، وسطوة الحكم، وأن ذلك قد يكلفهم حياتهم، مع تَجَهُّمِ الملأ من بني قومهم لهم، فقد كان الإيمان بالله، ورجاء اليوم الآخر، والإشفاق من الساعة، والفرار من النار، أقوى من كل وعيد، ومن كل بطشٍ شديد، خاصة وأن ظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة على الحُرِّ من وقع الحسام المُهَنَّدِ، لكن المسألة في العقيدة ليست بالقومية ولا بالوطنية، فالحربي عدوٌّ، ولو كانوا آباءهم، أو أبناءهم أو إخوانهم، أو عشيرتهم، فالقرابة هي أخوة الدين، والبر والقسط إنما يكون للذين لم يقاتلوكم في الدين، ولم يخرجوكم من دياركم، ولم يُظاهروا عليكم مَنْ أخرجكم من فلسطين.
إن قارون، والملأ من بني إسرائيل على شاكلته، نموذج لما يُسَمَّى بالحكم الذاتي، أو السلطة تحت الاحتلال؛ فإن هذا الكيان لا يعدو أن يكون أداةً في أيدي الاحتلال، وهو التجسيد الصارخ لما يسمى بالانقسام، وهو في الإسلام ردةٌ، أو انقلاب على الأعقاب، أو نفاق يقال عن مقترفيه: " قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ " المنافقون (4)
إن من أعظم الأدلة على أن الشباب عماد التغيير أن سيدنا إبراهيم الذي آتاه الله رشده من قبل، وأراه ملكوت السموات والأرض، قد قام بتحطيم الأصنام، وواجه قومه المشركين بمفرده وهو فتىً يافعٌ، مما أغاظ حنقهم، فقالوا: حَرِّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين، فقال الله: يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، وأرادوا به كيداً فجعلهم الأخسرين، ونجَّاه وابنَ أخيه لوطاً إلى أرضنا التي بارك فيها للعالمين، كما في سورة الأنبياء (51-71).
ومن أمثلة ذلك أصحاب الكهف؛ فقد آمنوا بربهم، وزادهم هدىً، وهم عدد محدود من الفتية، لا يكادون يزيدون عن سبعةٍ، فلما قاموا بين يدي الملك الزاعم الألوهية -كفرعون مصر- قالوا: ربنا رب السموات والأرض، لن ندعو من دونه إلهاً، لقد قلنا إذاً شططاً، وقد أُعْطُوا مهلة ثلاثة أيام قبل أن يجري عليهم حكم الإعدام، فما كان منهم إلا أن أمْسَوْا مجموعةً مطاردة، فَأَوَوْا إلى الكهف، فضرب الله على آذانهم، وألقى النوم عليهم ثلاثمائة سنين، وازدادوا تسعاً، وكنت تحسبهم أيقاظاً وهم رقود.
إن الغلام في قصة أصحاب الأخدود كان سبباً في إيمان قومه حين أرشد الملك المدعي الألوهية إلى الطريق الوحيد لقتله، فقد ضَحَّى بروحه لله؛ لتنتصر دعوته إلى الإيمان بالله وتوحيده، فآمن الناس بالله ربِّ الغلام، وكفروا بالملك وربوبيته، ولم يرضخوا للتهديد بالأخاديد، وقد نالوا الشهادة أجمعون بمثل نار إبراهيم، وإن الشهيد لا يجد من ألم القتل إلا كما يجد أحدنا من ألم القَرْصة، ويقال له: ادخلِ الجنة، فيقول: يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي، وجعلني من المكرمين.
إن السابقين إلى الإسلام، وإلى اتباع المرسلين لم يكونوا عبر التاريخ إلا شباباً، وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم أجمعين، وهكذا هم شباب الإسلام اليوم في مصر وديار العرب وفلسطين، ولسوف يري الله فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون.
وإن غداً لناظره قريب